هكذا يساهم المؤثرون الأجانب في الترويج للجزائر كواجهة سياحية

يشهد قطاع السياحة مؤخرا حركية متصاعدة تتناغم مع الديناميكية التي تعرفها الجزائر على مختلف الأصعدة، تجعل من تسخير كل التكنولوجيا المُتاحة ضرورة مُلحّة من أجل الترويج خارجيا للواجهة السياحية الجزائرية، قصد استقطاب ملايين السياح الأجانب وضمان إيرادات تعكس حجم المقومات السياحية الجزائرية، في ظل انبهار مؤثرين وصُنّاع محتوى أجانب بسحر الجزائر وشعبها، فهل لدى هؤلاء المؤثرين دور في نقل صورة كنوز الجزائر بعدساتهم؟

وعلى غرار توفير مختلف المرافق والتحلي بالثقافة السياحية، فإن الترويج للواجهة السياحية الجزائرية أهم خطوة لاستقطاب السياح الأجانب، وتحقيق تدفق بالملايين على مواقع سياحية جزائرية مُصنّفة عالميا بتمنراست عاصمة الأهقار موطن أسطورة التوارق «تينهنان»، التي تشتهر بجمال طبيعتها وآثارها والتي تعود إلى قرون خلت، وبها أجمل غروب للشمس في العالم بمنطقة الآيسكريم التي تعتبر قبلة مُفضّلة للسياح للاستمتاع بأجمل شروق وغروب في الجزائر والعالم، بالإضافة إلى أكبر متحف طبيعي في العالم في الطاسيلي.

تحركات رسمية تعطي دفعا للقطاع

وبما أن النهوض بالسياحة في الجزائر مرهون بتوفير خدمات ذات نوعية وأسعار مدروسة والمساهمة بجدية في الترويج للجزائر كوجهة سياحية، حسبما أكده الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان خلال افتتاح الصالون الدولي الـ21 للسياحة والأسفار سبتمبر الماضي، فإن الوزارة الوصية أخذت على عاتقها رهان الترويج والتسويق للواجهة السياحية وفق مخطط استراتيجي تبنته مؤخرا، وذلك، بالتزامن مع العمل على مستوى مختلف الممثليات الدبلوماسية بالخارج، وكذا ربط تعاون مع سفارات الدول لدى الجزائر من أجل ضمان تدفق مواطنيها.

ولعل أكبر دليل على أن العمل بدأ يأتي ثماره، ما عرفته موانئ الجزائر مؤخرا من توافد السيّاح الأجانب في مجموعات تتجاوز مئات الأشخاص عبر رحلات لوكالات السفر أو اتفاقيات بين الطرف الجزائر والوكالات السياحية الأجنبية والخروج في فرق استكشافية تجوب مختلف المواقع السياحية، ناهيك عن اتخاذ إجراءات وتسهيلات فيما يخصّ تمكين الزوار من التأشيرة على مستوى الحدود، بالإضافة إلى الاهتمام بالترويج الافتراضي عبر إطلاق منصّة البوابة الالكترونية «مسارات الجزائر السياحية» منذ قرابة العشرة أشهر لخلق مقومات سياحية متنوعة: السياحة الدينية، الجبلية، الشاطئية، الحموية، الطبيعية والصحراوية…

وهنا يبرز دور محتويات مختلف المنصّات عبر وسائط التواصل الاجتماعي في الترويج للواجهة السياحية من خلال انخراط ما يُصطلح على تسميته بـ”المؤثرين” وصُنّاع المحتوى الذين يمتلكون ملايين من المتابعين، حيث أضحت الجزائر خلال الفترة الأخيرة قبلة لهؤلاء الأجانب الذين اكتشفوا سحر المواقع السياحية على اختلافها، وعقلية الشعب الجزائري المرحاب، المضياف، بل إن البعض ذهب بمقارنة بسيطة بين كل ما جزائري وما يحدث في بلدان سياحية قريبة.

وقد انخرط الجانب الرسمي في هذا المسعى حيث استقبل مثلا وزير الرياضة السابق خلال الألعاب المتوسطية بوهران، ثلاثة مؤثرين مصريين وحثّهم على الترويج للجزائر، بل إن وزارة السياحية مُطالبة اليوم باستمالة صُنّاع المحتوى الأجانب وضمان مشاركتهم في العملية الترويجية من خلال التكفل بهم على الأراضي الجزائرية، مثلما يحدث في مختلف بلدان العالم، التي تستقطب الشخصيات العالمية المشهورة من أجل التسويق لها خلال التظاهرات أو المناسبات أو حتى خلال أيام السنة العادية.

الاستعانة بمؤثرين له تأثير محدود

وفي الموضوع، قال أستاذ علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر (3) العيد زغلامي، إن السياحة في الجزار بحاجة إلى نصيب كبير من الإشهار داخل البلد وخارجه، موضحا أن وزارة السياحة كباقي الوزارات ومؤسسات الدولة والسلطات العمومية بحوزتها برنامج خاص بالاتصال المؤسساتي مُدرج ضمن توجهاتها المنبثقة عن استراتيجية الحكومة، والخاصة ببرامج ترويجية من خلال هياكلها.

وربط الأكاديمي، العميلة الاتصالية الترويجية بعدة خطط من بينها تحديد الأماكن للترويج، تحديد المؤهلات والقدرات الترويحية وكذا القدرات التي تمتلكها في جميع الميادين المتعلقة بمختلف توجهات السياحة، من دينية، تاريخية، حموية، رياضية، وصحراوية، في ظل التنوع والثّراء الذي تتمتع به الجزائر، وهو ما يحتاج ـ حسبه ـ إلى تثمين وإعادة الاعتبار لكنوزها من خلال تجسيدها في حملات إعلامية يتم توظيف كل الوسائل والوسائط فيها من ومضات إشهارية، دون نسيان الشبكات الاجتماعية الأكثر استعمالا اليوم ولما لا الاستفادة منها، يضيف زغلامي في تصريح لـ «الأيام نيوز».

وأكد أن إمكانية الاستعانة ببعض المؤثرين له تأثير محدود لأنهم لا يعرفون الميدان، ما يجعل الوصاية مُطالبة بتزويدهم بالمادة الإشهارية ولا سميا الأجانب، مُحبّذا تكفل الوزارة بالعملية الترويجية على أكثر من صعيد، ومن خلال تفعيل كل هياكلها سواء مؤسسات عمومية أو مؤسسات خاصة مع التواجد على شبكات التواصل الاجتماعي لتسهيل العملية وتحقيق نتائج حسنة بمشاركة كل الأطراف.

انخراط كل فاعلي القطاع في عملية الترويج

وبعدما تساءل عن هوية المؤثرين ومدى جدوى الاستعانة بهم للترويج للواجهة السياحية الجزائرية، أبرز، العيد زغلامي، أن هؤلاء هم بمثابة مُعلنين شأنهم شأن وكالات إشهارية التي تقوم بهذه أعمال من أجل مقابل مادي، جازما بأن انخراط الوصاية في هذه المقاربة لن يجدي نفعا، لأن الأساس ـ حسبه ـ يبدأ بتوظيف الوسائط الرسمية لـ58 مديرية سياحية وتفعليها إضافة إلى عدة دواوين ومؤسسات تابعة لقطاع الإشهار، بما أنها الأكثر دارية بقدرات ومؤهلات البلد، إلى جانب انخراط الوكالات الإشهارية والوكالات السياحة والأسفار التي لديها مؤهلات وخبرات في هذا المجال.

فعوض الاستنجاد بالمؤثرين الأجانب، وجب تفعيل وإعادة الاعتبار لهذه الطاقات الجامدة في هذه الميادين إضافة إلى إقحام الولايات، وتفعيل مؤسسات تابعة لقطاع للأسفار والفنادق، في ظل القفزة النوعية على مستوى المركبات السياحية، يقول محدثنا، الذي نصح بمطالبة الوزارة للمؤسسات الفندقية بتفعيل برنامجها والتواجد على مواقع الشبكات الاجتماعية سواء فيسبوك، توتير، أو يوتيوب، وهو أمر مهم في إطار الترويج للخدمات المقدمة وفق ما تملكه من خبرات، يضيف زغلامي.

مد جسور التواصل مع المؤثرين الأجانب

أكد البرلماني عضو لجنة الشؤون الخارجية عز الدين زحوف، أن التحدث عن الاستقطاب والتسويق يقود إلى الاستثمار في مختلف الفواعل والعوامل المتاحة كضرورة، سواء الدبلوماسية الرسمية، أو الدبلوماسية البرلمانية وكذا الدبلوماسية الرياضية والشعبية وحتى الدبلوماسية الاقتصادية، موضحا أن زمن اليوم يقتضي عدم الاكتفاء بالدبلوماسية الرسمية، على خلفية أن القوى الناعمة هي من تستقطب أكثر من الأولى.

وعليه فإن إدراج الشباب المؤثرين له دور بالتأكيد، يقول زحوف في تصريح لـ«الأيام نيوز»، الذي سجل أن الكثير من صُنّاع المحتوى الهادف والمتميز يسوّقون للأماكن السياحية في الجزائر بشكل قد يتجاوز في بعض الأحيان مساهمة الوزارة الوصية في العملية، مشّددا على ضرورة عدم إغفال هذه الجزئية التي وجب ـ حسبه ـ الاستفادة منها والاستثمار فيهم ومد جسور التواصل مع المؤثرين الأجانب لضمان نجاح العملية.

وعاد منتخب الشعب، ليؤكد على ضرورة توفير مختلف المرافق والمنشآت القاعدية، مكاتب الصرف، وسائل النقل في كل الأوقات، والأمن في كل المناطق والمواقع، قبل قدوم السياح الأجانب، مُعزّزا رأيه بأن السياحة لا تعترف بالتسويق فقط بل بالذهنيات والمنشآت القاعدية، وتوفر الإرادة السياسية للنجاح، مُثمنا بالمناسبة، الإجراءات الأخيرة الخاصة بتسهيلات الحصول على التأشيرة لفائدة الأجانب، وفي الأخير، أصر البرلماني الشاب، على ضرورة التواجد على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، من أجل مواكبة التطورات وتنويع مداخيل الخزينة العمومية بدل الاعتماد على الريع فقط.

التفكير خارج الصندوق بتبني مشاريع المؤثرين

ومن جهاتها، قالت، مديرة الهيئة العامة للجالية الجزائرية بالخارج بالمنظمة الجزائرية للسياحة صبرينة مقران، إن عالم «السوشال ميديا» صار يخترق كل تفاصيل حياة الأشخاص، الذين لم يعد باستطاعتهم العيش بمعزل عن الدور الذي يسجله بالتأثير الواضح على سلوكيات الكثيرين، وتحديدا من قبل بعض “المؤثرين”، و”السلطة” التي يملكونها على المتابعين من خلال كل ما يبثونه.

وبعد أن أشارت إلى قدرة المؤثرين على التأثير والإقناع خاصة من خلال التسويق لأي بلد يزورنه والقيام بعمليات جبار تعجز حتى الهياكل والمؤسسات الكبيرة على تحقيقه، تحدثت مقران، في اتصال مع «الأيام نيوز»، عن ما حظيت به بلدها الأم الجزائر خلال الفترة الأخيرة، من زيارة العديد من المؤثرين وصنّاع المحتوى السياحي إلى الكثير من المدن والمعالم السياحية الجزائرية على رأسهم المؤثر الأردني «جو حطاب» الذي اكتسحت فيديوهاته منصّتي إنستغرام ويوتيوب وحصدت مشاهدات عالية، دون إنكار الدور الايجابي والكبير الذي يقدمه ابن الجزائر صانع المحتوى «خبيب» في الترويج و التعريف بكل ما هو جزائري، تضيف محدثتنا.

وعادت المهتمة بالشأن السياحي والترويجي، للتأكيد على ضرورة انخراط الوزارة الوصية وكل الفاعلين في القطاع، من أجل التفكير خارج الصندوق بتبني هكذا مشاريع ودعوة أصحاب المحتوى من كل أنحاء العالم، واستقبالهم بالجزائر بما في ذلك المؤثرين الجزائريين من خلال استغلال البرامج والنشاطات الثقافية، الرياضية، والسياحية، قصد ضمان الترويج الهادف للواجهة السياحية على نطاق أوسع، على حد تعبيرها.

وهيبة حمداني - الجزائر

وهيبة حمداني - الجزائر

اقرأ أيضا